فصل: 237- اختلاف آخر لهم في العلم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين (نسخة منقحة)



.237- اختلاف آخر لهم في العلم:

واختلفوا في العلم من وجه آخر:
1- فقال كثير منهم: إن الله لم يزل عالمًا أنه يعذب الكافر إن لم يتب وأنه لا يعذبه إن تاب.
2- وأنكر ذلك هشام الفوطي ومن ذهب مذهبه وعباد ومن قال بقوله فقال هؤلاء: لا يجوز لما فيه من الشرط والله تعالى لا يوصف بأنه يعلم على شرط والشرط في المعلوم لا في العالم.
3- وكان عباد بن سليمان صاحب الفوطي يقول: إن الله لم يزل عالمًا قادرًا حيًّا وأنه لم يزل عالمًا بمعلومات قادرًا على مقدورات عالمًا بأشياء وجواهر وأعراض وأفعال.
فإذا قيل له: تقول: إن الله لم يزل عالمًا بالمخلوقات وبالأجسام وبالمؤلفات؟ أنكر ذلك.
وكان يقول: أن الأشياء أشياء قبل كونها وأن الجواهر جواهر قبل كونها وأن الأعراض أعراض قبل كونها والمخلوقات كانت بعد أن لم تكن ولا أن حقيقته أنه لم يكن ثم كان كما يقول سائر الناس وكان يأبى ذلك ويقول أن حقيقة المحدث أنه مفعول.
وكان إذا قيل له: تقول: إن البارئ عالم بنفسه أو يعلم؟ أنكر القول بنفسه أو بعلم وقال: قولكم عالم صواب وقولكم بنفسه خطأ وقولكم بعلم خطأ وكلك القول بذاته خطأ.
وكان ينكر قول من قال: إن لله-عز وجل- وجهًا وينكر القول وجه الله ونفس الله وينكر القول ذات الله وينكر أن يكون الله ذا عين وأن يكون له يدان هما يداه.
وكان يقول: إن الله غير لا كالأغيار ولا يقول إنه معنى.
وكان إذا قيل له: تقول: إن الله عالم قادر حي سميع بصير عزيز عظيم جليل في حقيقة القياس؟ أنكر ذلك ولم يقله.
وكان لا يقول: أن البارئ قبل الأشياء ولا يقول: إنه أول الأشياء ولا يقول أن الأشياء كانت بعده.
وكان لا يقول: أن الله لطيف وحكى لي حاك أنه كان يطلق ذلك مقيدًا فيقول لطيف بعباده.
وكان إذا قيل له: أتقول: إن لله علمًا؟ قال: خطأ أن يقال: له علم وأنه ذو علم وأنه عالم بعلم فإذا قيل له: تقول: إنه لا علم لله؟ قال: خطأ أن يقال: لا علم له وكذلك في سائر ما سمي به البارئ.
وكان يقول: إن القديم لم يزل في حقيقة القياس لأن ما لم يزل فقديم والقديم لم يزل وليس يقال في حقيقة القياس لأن هذا يوجب أنه لا عالم قادر إلا هو.
وكان لا يقول: إن الله لم يزل سميعًا بصيرًا ولا يقول: لم يزل السميع البصير ويقول: إن الله السميع البصير لم يزل ويقول: إن الله سميع بصير لم يزل.
وكان إذا سئل عن معنى القول: إن الله عالم قال: إثبات اسم لله- سبحانه- ومعه علم بمعلوم والقول: قادر إثبات اسم لله- سبحانه- ومعه على بمقدور والقول: سميع إثبات اسم لله ومعه علم بمسموع والقول: بصير إثبات اسم لله- سبحانه- ومعه علم بمبصر.
وكان لا يقول: إن له سمعًا, ولا يقول: إنه ذو سمع قديم ولا أنه ذو سمع محدث وكذلك جوابه إذا سئل عن القول: بصير ومعنى القول: حي إثبات اسم لله عنده ومعنى القول في الله: إنه قديم أنه لم يزل.
وكان يقول: معنى حي معنى قادر ولا معنى عالم معنى قادر ولا يقول: معنى سميع بصير معنى عالم بالمسموعات والمبصرات كما يقول ذلك البغداديون.
وكان يقول: إن صفات البارئ هي الأقوال كنحو القول: يعلم ويقدر ويسمع ويبصر وأن الأسماء هي الأقوال كنحو القول: عالم قادر حي سميع بصير وكان يقول: أسماء الله- سبحانه- ما أجمعت الأمة على تخطئة نافيه وكل اسم أجمعوا على تخطئة نافيه فهو من أسمائه كالقول: عالم أجمعت الأمة على تخطئة من قال: إن الله- سبحانه- ليس بعالم وكالقول قادر أجمعت الأمر على تخطئة من قال: ليس بقادر وكذلك سائر أسمائه وما لم يجمعوا على تخطئة نافيه فليس من أسمائه.
وكان عباد لا يقول: إن الله- سبحانه- متكلم ويقول: هو مكلم.
وكان لا يقول: أن البارئ لم يزل قادرًا على أن يخلق ولا يقول: لم يزل قادرًا على الأجسام والمخلوقات ولا يقول: إن البارئ لم يزل جوادًا محسنًا عادلًا ولا منعمًا متفضلًا خالقًا مكلمًا صادقًا مختارًا مريدًا راضيًا ساخطًا مواليًا معاديًا ويقول: هذه أسماء يسمى بها البارئ- سبحانه- لفعله.
وزعم أن الأسماء على وجوه منها ما يسمى به البارئ لا لفعله ولا لفعل غيره كالقول: عالم قادر حي سميع بصير قديم إله ومنها ما يسمى به لفعله كالقول خالق رازق بارئ متفضل محسن منعم ومنها ما يسمى به لفعل غيره كالقول معلوم ومدعو.
وكان إذا قيل له: فتقول: إن الله- سبحانه- لم يزل غير خالق وغير رازق وغير منعم وغير متفضل؟ أنكر ذلك ولم يقل لم يزل خالقًا ولم يقل: لم يزل غير خالق وقد حكي عنه أنه قال: لم يزل رحمانًا.
وكان لا يستدل بالشاهد على الغائب ولا يستدل بالأفعال على أن البارئ عالم حي قادر وكان ينكر دلالة مجيء الشجرة وكلام الذئب وسائر الأعراض على نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: لا أقول ذلك يدل ولا أقول لا يدل وكان لا يستدل على البارئ بالأعراض.
وكان لا يقول: أن الله فرد وينكر القول بذلك وكان يقول ما حكينا عنه من أنه لا يستدل بالأعراض. وإذا قيل له: من كم وجه يعرف الحق قال: من كتاب الله-عز وجل- وإجماع المسلمين وحجج العقول وهذا نقض قوله: لا أقول أن الأعراض تدل على الحق.
4- وكان الناشي لا يستدل بالأفعال المشتقة في الحكمة من البارئ على أن فاعلها عالم قادر لأنها قد تظهر من الإنسان وليس بعالم في الحقيقة ولا قادر.
وكان يزعم أن البارئ عالم قادر سميع بصير حكيم عزيز عظيم جليل كبير في الحقيقة والإنسان يسمى بهذه الأسماء على المجاز.
وكان يقول: أن الاسم إذا وقع على المسميين لم يخل من أربعة أقسام: إما أن يكون وقع عليهما لاشتباه ذاتيهما كقولنا جوهر وجوهر وإما أن يكون وقع عليهما لاشتباه ما احتملته الذاتان كقولنا: متحرك ومتحرك وأسود وأسود أو يكون وقع عليهما لمضاف أضيفا إليه وميزا منه لولاه ما كانا كذلك كقولنا: محسوس ومحسوس ومحدث ومحدث أو يكون وقع عليهما وهو في أحدهما بالمجاز وفي الآخر بالحقيقة كقولنا للصندل المجتلب من معدنه: صندل وهو واقع عليه في الحقيقة وقولنا للإنسان صندل وهو تسمية له على المجاز.
قال: فإذا قلنا أن البارئ عالم والإنسان عالم والإنسان قادر والبارئ قادر وكذلك حي وحي فليس هذا واقعًا عليهما لاشتباه ذاتيهما ولا لاشتباه ما احتملته الذاتان ولا لمضاف أضيفا إليه وميزا منه وإنما يقع ذلك عليهما وهو في البارئ- سبحانه- بالحقيقة وفي الإنسان بالمجاز.
وكان يقول: إن البارئ- سبحانه- غير المحدثات في الحقيقة وهي غيره في الحقيقة وهذا نقض دليله هذا. وكان لا يقول أن الإنسان فاعل في الحقيقة ولا محدث في الحقيقة ولا يقول أن البارئ- سبحانه- أحدث كسبه وفعله.
5- وأما أبو الحسن محمد بن مسلم المعروف بالصالحي فإنه كان يقول: إن البارئ- سبحانه- لم يزل عالمًا بمعلومات وأجسام مؤلفات ومخلوقات في أوقاتها ولم يزل يعلم موجودًا في وقت كذا ولم يزل عالمًا بأن إذا كان وقت كذا فالمخلوق مخلوق فيه ولا يثبت المعلومات قبل كونها معلومات ولا مقدورات ولا أشياء قبل كونها.
وكان ينفي العلم والقدرة وسائر الصفات ويقول: معنى أن البارئ شيء لا كالأشياء أنه قادر لا كالقادرين ومعنى: إنه حي لا كالأحياء هو معنى أنه عالم لا كالعلماء وكذلك كان يقول في سائر الأسماء والصفات للذات وإنما هذا بمنزلة قول القائل أقبل وهلم وتعال والمعنى واحد.
6- وبلغني أن ابن النجراني كان يقول: لا معلوم إلا موجود فقيل له: فكيف تقول في المقدور؟ فقال: لا أقول أن مقدورًا في الحقيقة لأنه كان يحيل القدرة على الموجود.
وكان الصالحي يقول: القدرة على الشيء في وقته وقبل وقته ومعه وكان يثبته مقدورًا موجودًا في حال كونه.
7- وكان ابن الراوندي يقول: إن المعلومات معلومات قبل كونها وأنه لا شيء إلا موجود وأن المأمور به والمنهي عنه وكذلك كل ما تعلق بغيره يوصف به الشيء قبل كونه وكل ما كان رجوعًا إلى نفس الشيء لم يسم ولم يوصف به قبل كونه.
وكان الصالحي يخطئ من قال: إذا ثبت الله عالمًا نفيت جهلًا وإذا ثبته قادرًا نفيت عجزًا.
وكان يجيز أن يقدر الله-عز وجل- الميت فيفعل وهو ميت غير حي وإذا جاز أن يقدر منا من ليس بحي ويظهر الفعل منا ممن ليس بحي فقد بطلت دلالة أفعال البارئ على أنه حي وبطل أن يدل أنه حي على أنه قادر إذا جاز أن يقدر عنده من ليس بحي.
وبلغني أن سائلًا سأله مرة فقال: من أين علمت أن البارئ حي؟ فلم يأت بجواب مقنع وأن سائلًا سأله فقال: إذا كان معنى أسماء الله لذاته أنه شيء لا كالأشياء فهل يجوز أن يسمي نفسه جاهلًا بدلًا من تسميته عالمًا واللغة بحالها إذا كان لا يرجع بقوله لا كالعلماء إلا إلى معنى أنه شيء لا كالأشياء؟ فأجاز ذلك فقال له: وكذلك يسمي نفسه عاجزًا ومواتًا ويسمي نفسه إنسانًا ويسمي نفسه حمارًا ويسمي نفسه فرسًا ومعنى ذلك أنه لا كالأشياء؟ فأجاز ذلك نعوذ بالله من الخذلان المتهور ومن الحور بعد الكور ومن الكفر بعد الإيمان.
وبلغني أن أبا الحسين سأله سائل فقال له: إذا قلت أن البارئ متكلم بكلام في غيره فقل: يسكت بسكوت في غيره! فقال: كذلك أقول فوصف الله- سبحانه- بالسكوت.
8- وأما البغداديون فيقولون أن البارئ لم يزل عالمًا كبيرًا قادرًا حيًّا سميعًا بصيرًا إلهًا قديمًا عزيزًا عظيمًا غنيًا جليلًا واحدًا أحدًا فردًا سيدًا مالكًا ربًا قاهرًا رفيعًا عاليًا كائنًا موجودًا أولًا باقيًا رائيًا مدركًا سامعًا مبصرًا بنفسه لا بعلم وحياة وقدرة وسمع وبصر وإلهية وقدم وعزة وعظم ولا بجلال وكبرياء وعنى ولا سؤدد وقهر وربوبية وبقاء وكذلك سائر صفات الذات وهم ينفون صفات الذات أجمع ويقولون: البارئ شيء لا كالأشياء وأنه لم يزل عالمًا بالأشياء قبل كونها أجسامها وأعراضها وأن الجسم جسم قبل كونه مؤلف قبل كونه.
9- وغلا بعضهم حتى قال: مؤمن في الصفة قبل كونه كافر في الصفة وأنه ملعون في الصفة ومثاب في الصفة ومعاقب في الصفة قبل كونه وأنه يصرخ ويستغيث من العذاب في الصفات وأن في الصفات مثل هذا العالم عوالم لا يحصيها إلا الله تتحرك وتسكن.
وبلغني أن بعضهم أجاب إلى أن المخلوق مخلوق قبل كونه وهذا من غريب التجاهل.
10- وقال بعض الحوادث منهم: إن المعلوم معلوم قبل كونه وكذلك المقدور وكل ما كان متعلقًا بغيره كالمأمور به والمنهي عنه وأنه لا شيء إلا موجود ولا جسم إلا موجود.
11- ومن البغداديين من يقول: إن المعلومات معلومات قبل كونها والأشياء أشياء قبل كونها ويمنع أجسامًا وجواهر وأعراضًا.
12- وبعض البصريين وهو الشحام وطوائف من البغداديين يقولون: ما استحال أن يوصف الشيء به في حال وجوده فمستحيل أن يوصف به قبل كونه كالقول: متحرك ومؤمن وكافر فأما جسم مؤلف فقد يوصف به في حال كونه فألزم هؤلاء أن يقولوا: موجود قبل كونه فأبوا ذلك.
وأنكروا أن يكون البارئ- سبحانه- لم يزل مريدًا متكلمًا راضيًا ساخطًا مواليًا معاديًا جوادًا حكيمًا عادلًا محسنًا صادقًا خالقًا رازقًا وزعموا أن هذا أجمع من صفات الأفعال وزعموا أن الصفات على وجوه فمنها ما يوصف به البارئ لنفسه كالقول عالم قادر حي سميع بصير وشيء يوصف به لفعله كالقول: خالق رازق محسن منعم متفضل عادل جواد حكيم متكلم صادق آمر ناه مادح ذام محي مميت ممرض مصح وما أشبه ذلك وشيء يوصف به البارئ لذاته وقد يوصف به لفعله كالقول حكيم بمعنى عليم من صفات النفس والقول حكيم على طريق الاشتقاق من فعله الحكمة من صفات الفعل وكالقول صمد بمعنى سيد يوصف به لذاته وقد يوصف به بمعنى أنه مصمود إليه في النوائب فيوصف به من طريق الاشتقاق من الفعل ومعنى أن الله عالم عندهم أنه متبين للأشياء وأنه لا يخفى عليه شيء ومعنى أنه قادر أنه يمكنه الفعل ويجوز منه.
وزعم أكثرهم أن معنى القول: إنه حي أنه قادر ومعنى أنه سميع أنه لا يخفى عليه الأصوات والكلام ومعنى أنه بصير أنه لا يخفى عليه المبصرات ومعنى أن الله راء عندهم أنه عالم.
13- وكان الإسكافي يقول: إن الله لم يزل سامعًا مبصرًا ببصر وسمع وأنه لم يزل مدركًا.